لقد وصلت أحواض الكربون الطبيعية على كوكب الأرض إلى حدود حرجة، حيث تمتص انبعاثات أقل من المتوقع حيث أدت عقود من تغير المناخ إلى إضعاف قدرتها.
مشاريع إزالة الكربون المعتمدة على الطبيعة معرضة للخطر أيضًا؛ إذ يُقوّض تغير المناخ موثوقيتها وقدرتها على التخزين على المدى الطويل. ورغم ضرورة نشر عمليات الإزالة على نطاق واسع، إلا أنها قد تُهدد الأمن الغذائي والتنوع البيولوجي. ويُحذّر العلماء في تقريرهم الجديد، الذي أُطلق قبل انعقاد مؤتمر الأطراف الثلاثين، من أن أهداف المناخ العالمية قد تواجه الآن انتكاسات كبيرة.
تم إطلاق التقرير السنوي "عشر رؤى جديدة في علم المناخ" اليوم من قبل أكثر من 70 عالمًا مشهورًا عالميًا من 21 دولة.10 رؤى جديدةيكشف تقريرٌ أن ضعفَ أحواض الأرض، وخاصةً الغابات والتربة في نصف الكرة الشمالي، يُهدد بعرقلة توقعات الانبعاثات الحالية، مع تسريع الاحترار العالمي. حتى المحيط، وهو مصدرٌ حيويٌّ آخر للكربون والحرارة، يمتص كمياتٍ أقل من ثاني أكسيد الكربون، بينما تُلحق موجات الحر البحرية الأكثر تواترًا وشدةً أضرارًا بالنظم البيئية وسبل العيش الساحلية.
على الرغم من أن عمليات إزالة ثاني أكسيد الكربون الشائعة تُقدم حلاً لحماية وتوسيع أحواض الكربون، يُسلط التقرير الضوء على أن النشر واسع النطاق لعمليات الإزالة المعتمدة على الطبيعة قد يكون له تأثير سلبي على الأمن الغذائي والتنوع البيولوجي، إذ تتنافس هذه المشاريع مع كليهما على مساحة الأرض. ويُؤكد التقرير أن توقعات إزالة الكربون المعتمدة على الطبيعة تتجاوز بكثير ما يمكن أن تُحققه المشاريع الحالية وأحواض الكربون الطبيعية. ووفقًا للعلماء، فإن عمليات الإزالة "المبتكرة" أو القائمة على التكنولوجيا ضرورية أيضًا، إلى جانب خفض كبير للانبعاثات، لتصحيح المسار.
ويجد التقرير أيضًا أن أسواق ائتمان الكربون الطوعية، التي يمكن أن تعمل في إطارها مشاريع إزالة الكربون، يتم الترويج لها كحل محتمل آخر، ولكنها تعاني من مشكلات مصداقية مستمرة وتتطلب معايير ومقاييس سوقية أقوى لضمان النزاهة.
لطالما اعتمدنا على الغابات والتربة لتنظيف فوضى الكربون بهدوء، لكن قدرتها على ذلك آخذة في التراجع. هذا يعني أننا ربما نُقلل من تقدير فجوة الانبعاثات الحالية، وكذلك من وتيرة الاحترار العالمي.
سابين فوس، رئيسة قسم في معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ وعضو هيئة تحرير التقرير.
مبادرة مشتركة بين منظمة "أرض المستقبل" ورابطة الأرض والبرنامج العالمي لبحوث المناخ، يُلخص تقرير "عشر رؤى جديدة" أحدث التطورات في علم المناخ خلال الثمانية عشر شهرًا الماضية في عشر رؤى موجزة، ليشكل مرجعًا موثوقًا لصانعي السياسات. يأتي هذا التقرير في الوقت الذي يستعد فيه المفاوضون لمؤتمر الأطراف الثلاثين، وهو حدث محوري بعد عشر سنوات من اتفاق باريس، وفي خضم موجة جديدة من تحديث أهداف المناخ من دول العالم. مع بروز الجولة الأخيرة من المساهمات المحددة وطنيًا (NDCs)، وتصاعد الشكوك حول تغير المناخ، لا يمكن للدول أن تتحمل الاستمرار في التخطيط بناءً على معلومات قديمة.
يجب أن تسترشد مفاوضات المناخ بالعلم، وتُقدم "الرؤى العشر الجديدة" أفضل ملخص لأحدث المستجدات في علم المناخ. تُقدم هذه الرؤى دليلاً قاطعاً على أننا في حالة من الإلحاح المناخي، مما يعني أن مؤتمر الأطراف الثلاثين يجب أن يكون مؤتمر الأطراف المعني بالتنفيذ - فلم نعد قادرين على تحمل وعود جديدة دون تحقيقها. يجب أن ينصبّ تركيز صانعي السياسات على خفض الانبعاثات بشكل حاسم، وحماية الطبيعة واستعادتها، وتعزيز الأنظمة التي تُبقينا على قيد الحياة.
يوهان روكستروم، الرئيس المشارك لرابطة الأرض وعضو هيئة تحرير التقرير.
تتناول رؤى التقرير الأخرى العوامل المساهمة في ارتفاع درجات الحرارة القياسي في عامي 2023 و2024، حيث تُسبب الحرارة الشديدة ضغطًا غير مسبوق على موارد المياه العذبة، وصحة الإنسان، وسبل عيشه. ويكشف بحث جديد مُلخص في التقرير كيف يُؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى انخفاض مستويات المياه الجوفية، وهي ضرورية للزراعة في العديد من المناطق. كما يُفاقم تغير المناخ انتشار الأمراض التي ينقلها البعوض، مثل حمى الضنك، حيث يُوسّع ارتفاع درجات الحرارة موطن هذه الحشرة.
بعد أن شهدت النظم الصحية أكبر تفشٍّ عالميٍّ مُسجَّل لحمى الضنك العام الماضي، تتعرض لضغطٍ هائل. وتُعدّ النتائج المُجمَّعة في تقرير "عشر رؤى جديدة" تذكيرًا صارخًا بأن لا أحد بمنأى عن آثار تغيّر المناخ، فعواقبه عالمية ومترابطة، وهي بالفعل على أعتابنا.
كريستي إيبي، أستاذة الصحة العالمية في جامعة واشنطن وعضو هيئة تحرير التقرير.
بالإضافة إلى صحة الإنسان، يوضح التقرير أيضًا كيف يُؤدي الإجهاد الحراري إلى انخفاض حاد في إنتاجية العمل، مما يؤثر على الدخل ويؤدي إلى زعزعة استقرار اقتصادي أوسع. على سبيل المثال، من المتوقع أن يُعرّض ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة فقط أكثر من 800 مليون شخص في المناطق الاستوائية لمستويات غير آمنة من الإجهاد الحراري، مما قد يُقلل ساعات عملهم بنسبة تصل إلى 50%.
في نهاية المطاف، يُظهر تقرير هذا العام أن كل خطر مناخي رئيسي تقريبًا ينبع من سبب جذري واحد - وهو الفشل في خفض الانبعاثات بالسرعة والنطاق المطلوبين. الاعتماد على الطبيعة والأسواق وحدهما لن يحل الأزمة. درجات الحرارة القياسية في عامي 2023 و2024، وتسارع احترار المحيطات، والضغط المتزايد على النظم البيئية والمجتمعات، كلها أعراض لتأخر اتخاذ الإجراءات. الرسالة الموجهة إلى مؤتمر الأطراف الثلاثين واضحة لا لبس فيها: العلم واضح، والحلول والقيود معروفة، والآن هو الوقت المناسب للتنفيذ.
رسالتنا مستقبل الأرض"مستقبل الأرض" شبكة عالمية من الباحثين الذين يطورون ويجمعون المعرفة لدعم التحولات نحو الاستدامة. بتركيزها القوي على المناهج القائمة على النظم، تسعى "مستقبل الأرض" إلى تعميق فهمنا لأنظمة الأرض المعقدة والديناميكيات البشرية في مختلف التخصصات، والاستفادة من هذا الفهم لدعم سياسات واستراتيجيات قائمة على الأدلة لتحقيق التنمية المستدامة.
رسالتنا رابطة الأرضرابطة الأرض هي تحالف دولي يضم أعضاءً من المؤسسات والأفراد، يعملون معًا لمواجهة قضايا مثل تغير المناخ، واستنزاف الموارد الطبيعية، وتدهور الأراضي، وندرة المياه، والأمن الغذائي. وفي إطار معالجة المشكلات القائمة والناشئة الناجمة عن استخدام الموارد بما يتجاوز قدرة كوكبنا، تستكشف رابطة الأرض كيفية توقع المشكلات وتجنبها من خلال العمل الاستراتيجي والابتكار.
حول برنامج أبحاث المناخ العالمي (WCRP)يُنسّق البرنامج العالمي لبحوث المناخ (WCRP) ويوجّه البحوث المناخية الدولية لتطوير وتبادل وتطبيق المعرفة المناخية التي تُسهم في رفاه المجتمع. يُعالج البرنامج جوانب علم المناخ التي يصعب على دولة أو وكالة أو تخصص علمي واحد معالجتها بمفردها. من خلال التنسيق العلمي الدولي والشراكات الناجحة، يُسهم البرنامج العالمي لبحوث المناخ في تمهيد الطريق لفهم أساسيات النظام المناخي وتحديد تفاعلاته مع الأنشطة البشرية.